الرئيسية / المنبر الحر / المــال.. السياســة.. الجنــس ثلاثة أقانيم لشيطان واحد-1-

المــال.. السياســة.. الجنــس ثلاثة أقانيم لشيطان واحد-1-

المــال.. السياســة.. الجنــس
ثلاثة أقانيم لشيطان واحد (
1)

 

تقديـــم :

إن هناك شبه إجماع، على اعتبار شهوة السياسة ( السلطة ) والمال والجنس، محركا رئيسيا لسلوك الإنسان المعاصر ؛ إذ بها ينكشف معظم جوانب النفس الإنسانية، فتتفجر الغرائز، وتفصح النفوس عن مكنوناتها، وينجلي ما كان محجوبا.

 

وقد مر على الإنسان حين من الدهر، وهو يضع شهوة السياسة والمال والجنس في غير موضعها، فضاع وأضاع. ويذهب أهل الاختصاص، إلى أن الخطر يكون عظيما، إذا ما قام أحد بصرف إحدى هذه الشهوات فيما لم تبح له. وتصبح المصيبة أعظم، إذا ما تيسر لأي كان، أن يجمع بين شهوتين منها، أو بينها كلها، ويستعملها بغير حق، وحينئذ يسود العماء والفتنة، وتتمكن القارونية والفرعونية من رقاب الناس.

 

المـال والسياسـة

العلاقة بين السياسة والمال – الماضي والحاضر :

يربط السياسة بالمال علاقة جدلية قديمة ومتنوعة. فمنذ 2500 سنة، انتبه مفكرو وسياسيو اليونان إلى ضرورة منح تعويضات لكل من يتفرغ من أجل الإشراف على أمور الناس، ذلك أن الفلاحين والبحارة وأمثالهم من الحرفيين والصناع، لم يكن في وسعهم التوفيق بشكل أو بآخر، بين الإشراف على مصالحهم الخاصة، وخدمة مصالح الناس. وقدرت هذه التعويضات، وكانت تسمى مِسْتُوسْMisthos ، بما يساوي أجر العامل المجتهــد.

 

وفي فرنسا، وإلى غاية 1848، لم يكن يسمح بممارسة حق التصويت، إلا لمن كان يتوفر على دخل معين، وبحق الترشيح إلا لمن كان يتوفر على دخل أكبر. وعلى سبيل المثال، كان على المواطن في عهد لويس الثامن عشر، أن يدفع من الضرائب 300 فرنك، ليتمتع بحق التصويت، و1000 فرنك ليتمتع بحق ترشيح نفسه.

 

تمويل الأحزاب السياسية :

إن كل تنظيم سياسي غربي، يحتاج من المال، ما يمكنه من إقامة هياكله، وتسيير شؤونه، وتقديم المترشحين تحت لوائه، وما يستطيع به كل مترشح أن يخوض غمار الحملة الانتخابية، بنوع من الحيوية والحماس.

 

والحملات الانتخابية في بلاد الغرب، في أيامنا هذه، أصبحت باهظة التكاليف ؛ فهي تتطلب ميزانيات ضخمة، نتيجة تطور الأساليب، وتنوع الوسائل. ولنا في هذه الأرقام، خير دليل :

 

1 ـ الحملات الانتخابية للكونغريس الأمريكي:

) معدل المصاريف بالدولارات بالنسبة لكل مترشح)

 

مجلس الشيوخ

مجلس النواب

السنــوات

455.515

61.084

1974

1.771.167

222.620

1982

2.649.492

282.949

1988

 

2 ـ مصاريف بعض المترشحين خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لسنة 1988

 

المصاريف المصرح بها

المتــــــرشح

99.842.170 فرنك فرنسي

ميتـــران

95.984.005     “  

شيـــراك

 

إذن، يقصد بـ( تمويل الأحزاب السياسية )، وضع اعتمادات مالية، رهن لإشارة الأحزاب، من أجل بناء هياكلها وتسيير شؤونها، ومواجهة ما تتطلبه الحملات الانتخابية من نفقات ( استطلاع الرأي – إعلانات وملصقات – تجمعات وندوات تلفزية – استئجار حيز زمني في مجال استغلال خدمات الأقمار الصناعية… ). ويمكن لهذا التمويل، أن يغير من سير الحملة الانتخابية، ويؤثر على النتائج، إذا كان صادرا عن جهة خفية مشبوهة.

 

وبصفة عامة، فإن تمويل الأحزاب السياسية، يتم عن طريق مصادر ثلاثة :

 

1 ـ تمويل عمومي ( الدولة ).

 

2 ـ تمويل خاص ( مؤسسات خاصة ’’ أشخاص معنويون’’ – اشتراكات الأعضاء – هبات من بعض المواطنين ’’ أشخاص ذاتيون ” ).

 

3 ـ تمويل مشبوه ( أباطرة المخدرات – المافيا وعصابات الجريمة المنظمة – الدول والمؤسسات الأجنبية ).

 

* الغرب والفساد السياســي :

تذهب الباحثة الأمريكية المتخصصة سوزان روز أكرمان Susan Rose   Ackerman، إلى أن طرفي الفساد السياسي – المفسِد ( بكسر السين )، والمفسَد ( بفتحها ) – يخضعان لمعلِّلات عقلانية – حسب تصورهم -، تقوم على أساس البحث عن الغنيمة والاستفادة الشخصية. وبالتالي، فإن الفساد السياسي تشتدّ حدّته، أينما رجحت كفـةُ الاستفادة المتوقعة، كفـةَ المخاطر المحتملة.

 

ويحدد حجم هذه الاستفادة، حسب :

 

1 ـ وزن وقيمة القرارات الإدارية المتخذة.

 

2 ـ وجهة نظر الموظفين أو المنتخَبين – بفتح الخاء.

 

3 ـ حجم المال المعروض.

 

أما المخاطر المحتملة، فإنها تتجلى في :

 

1 ـ أنواع العقوبات – جنائية، إدارية، رسمية، حزبية… – ومدى حجم تطبيقها على المفسدين.

 

2 ـ المراقبة الفعالة لسير مختلف المرافق الإدارية.

 

3 ـ المراقبة الدقيقة لحسابات الأحزاب السياسية.

 

والفساد السياسي أشبه ما يكون، بذلك الوحش الأسطوري ذي الرؤوس المتعددة، التي يصعب استئصالها جميعا. وإذا ما تم جبّ واحد منها، ترعرع مكانه رأس آخر، وربما اتخذ ملامح مغايرة. ويبقى المال الحرام، هو الدم الذي يتدفق في عروق هذا الوحش، ويغذي أوصاله، ويقوي براثنــه.

 

إذا، للمال دور أساسي في الفعل السياسي الغربي، وهذا يعني، أن الأحزاب تختار من يحقق لها أكبر قسط من الاستفادة المادية؛ فهي تستقطب إلى صفوفها الأثرياء المشبوهين، وتزكيهم، تأنس فيهم القدرة على خوض غمار الأسواق والمناقصات المشبوهة، والفوز بها، خلال تواجدهم تحت قبة المجالس المحلية أو الجهوية أو الوطنية. ويصبح صوت الناخب في مفهوم هذه الأحزاب ’’ قسيمة شراء’’، تقايض بمقدار معلوم من المال. وعندما يصبح العمل السياسي أسرع مطية لتحقيق المآرب الشخصية، فإن الساحة السياسية، يغشاها مزيج غريب من السماسرة والمتطفلين، والوصوليين وأشباه الأميين. فهذا بابْلُو إِسْكُوبَارْ إمبراطور الكوكايين وزعيم كارتل مِدِيِينْ ، يلتحق بصفوف الحزب الليبرالي الكولومبي الجديد، اعتقادا منه، أنه والحزب يعملان لتحقيق نفس الغاية، وهي قيادة كولومبيا إلى غد أفضل، وأنه يستطيع، بما أوتي من مال، أن يتخذ الحزب مطية لتحقيق أحلامه.

 

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم         و لا سراة   إذا جهالهــــم سـادوا

 

* النموذج الأول من الفساد السياسي :
فضيحة ’’ شركة مدريد الجنوب 93
Madrid Sur :

في يناير 1991، قامت بلدية ’’ خِطَافِي Getafe ’’، التي تقع في الضاحية الجنوبية للعاصمة الإسبانية مدريد، بتفويت عقار مساحته 269184 م 2، إلى ’’ شركة مدريد الجنوب 93 ’’، لأجل تشييد مجموعة عمارات وأروقة فاخرة، ومسابح، ومركز تجاري، ومركب رياضي. تملك ’’ فياط ’’ الإيطالية 58 % من رأس مال الشركة، والباقي موزع بين مجموعة مؤسسات، من بينها ’’ مكتب بْليكير’’ لتقديم الاستشارة، الذي أقحم في مجموعة المساهمين، لأجل تسهيل مأمورية التفويت. كان على رأس هذا المكتب ’’ خوان كارلوس مانْغانا’’ و’’ سوتيرو خِمينيس’’، المسؤولان الكبيران بإدارة السكك الحديدية، والمساعدان الأقربان لـ’’ غِيِّيرمو غالْيوتي’’، المسؤول الأول عن تمويل الحملة الانتخابية للحزب الاشتراكي الإسباني، سنة 1986. قام الوسيطان الاشتراكيان ’’مانغانا’’و’’خمينيس’’ بتسهيل عملية تفويت العقار الذي هو في ملك إدارة السكك الحديدية العمومية، قاما بترتيب العملية، مقابل حصولهما على 7500 سهم من أسهم الشركة. وبعد إتمام الصفقة، قامت الشركة بشراء هذه الأسهم بـ:195 مليون بسيطة ( أكثر من قيمة الأسهم الحقيقية ب:26 مرة). هكذا كان الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني يمول حملاته الانتخابية، إنه مدرسة في الفساد السياسي، وقمة في الاستخفاف بالصالح العام.

 

* النموذج الثاني : بورصة الأصوات بين المافيا والأحزاب الإيطالية :

كانت إيطاليا إلى غاية 1991، تعتمد على اللوائح في مجال الانتخابات البلدية والتشريعية، الأمر الذي جعل مؤشر الأصوات منخفضا نوعا ما. فعلى سبيل المثال، كانت المافيا تضمن منصب عون في البلدية أو المستشفى، لمن يضمن لها – أي لصالح من تحتضنهم من المترشحين – ما بين 200 و300 صوت. أما 600 صوت، فهي كافية لكي يحظى ملف طلب السكن الاقتصادي، بالعناية والتقدم. وفي 1991، اعتمدت إيطاليا نظام الترشيح الفردي، وبالتالي، ارتفع مؤشر بورصة الأصوات. ففي الانتخابات القروية، كانت المافيا تؤدي 20.000 ليرة لكل صوت واحد، يمنح لصالح المترشح الذي تحتضنه. أما في الانتخابات البلدية والتشريعية، فإن المافيا كانت تؤدي 200.000 ليرة لكل صوت واحد، يمنح لصالح المترشح الذي تهيمن عليه.

 

إلى غاية سنة 1984، كانت المافيا تبحث باستمرار، عن التأييد السياسي للشخصيات السياسية التي تراها أهلا لتحقيق مآربها. والحقيقة أن كل طرف هو في أمس الحاجة إلى ما يمكن أن يقدمه الآخر. فالمافيوزي محتاج إلى الفوز بالامتيازات الكبرى والصغرى – رخص الاستيراد، المناقصات، المشاريع…-التي يملك السياسي مفاتيحها. والسياسي بدوره محتاج إلى أصوات الناخبين التي يتحكم المافيوزي في بورصتها. وعادة ما تتم الصفقة بين الطرفين حسب السيناريو التالي : تتصل شخصية مافيوزية بالمترشح، وتقول له : السيد النائب، سنعمل من أجلك كذا وكذا، ونحن ننتظر منك أن تتذكرنا عندما تفوز. وعندما يفوز الرجل، يصبح من اللازم عليه أن يؤدي الثمن. تتصل المافيا به بعد ذلك، وتقول له : نحن نحتاج إلى هذا الأمر، هل تقوم به أم لا؟. وبالطبع، فإن النائب ينفذ حرفيا ما يطلب منه، لأنه لم يعد لديه من مخرج، إلا ذلك. أما إذا رفض، فإن مصيره الاغتيال. ’’ سالفو ليما’’، نائب صقلية في البرلمان الأوربي، تم اغتياله من طرف المافيا في مارس 1992، لأنه نوقف عن توفير الحماية القانونية للمافيوزيين. ولا تنحصر المنفعة المتبادلة فيما سبق ذكره فقط، بل هي تتشعب وتتنوع. فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك طرف ثالث، غير مافيوزي، يريد خدمة ما أو امتيازا، من ذلك النائب الذي تحتضنه المافيا وتهيمن عليه، فإن طلبه بالضرورة، يجب أن يمر عبر المافيا. وإذا كانت هناك جهة ما، تزعج ذلك السياسي، فإن المافيا تقوم بتصفية ذلك الخصم المزعج. ’’ كارلو ألبرتو دالاّ كييزا’’، جنرال إيطالي، برز وتفوق في محاربة التنظيم الإرهابي الإيطالي ’’ الألوية الحمراء’’. أثناء التحقيق الذي كان يقوم به حول اختطاف ومقتل رئيس الحكومة الإيطالية وزعيم الحزب الديموقراطي المسيحي ’’ ألدو مورو’’، اكتشف تورط بعض كبار السياسيين من الحزب الديموقراطي المسيحي، الذين لم يكونوا راضين عن النهج الذي اختاره زعيمهم، في أمر التقارب بين حزبه والحزب الشيوعي الإيطالي القوي. لقد قامت عشيرة ’’ كاطان’’ المافيوزية، في 3/11/1982، باغتيال الجنرال ’’دالا كييزا’’، إرضاء لشخصية كبيرة من الحزب الديموقراطي المسيحي ( جوليو أندريوتي ).

 

عبد القـادر أحمـد الزيــدي

طنجـة / المغــرب

عن habib

شاهد أيضاً

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني من أين أبدأ هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *