الرئيسية / عاجل / صدقة الفِطر والحرب الطاحنة! الشيخ المحدث  الدكتور خالد الحايك

صدقة الفِطر والحرب الطاحنة! الشيخ المحدث  الدكتور خالد الحايك

صدقة الفِطر والحرب الطاحنة!

 الشيخ المحدث  الدكتور خالد الحايك

رأيت كثيراً من المنشورات والسجال حول إخراج صدقة الفطر طعاماً أو قيمة ومالاً… ولا شك أن المناقشة العلمية أمر جيد ومطلوب.. وكم فرحت حقيقة بالدعوة إلى التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا، وهذا هو الأصل.

لكن مما ساءني – حقيقة – أن بعض هذه المنشورات تكاد تُخرج من يقول بجواز إخراج القيمة أو المال من المِلة! وتُصوّره بأنه لا يريد السنة وكأنه يحاربها! وهو كاره لها!!!

وهذه – والله – مصيبة عظيمة!

وكذلك طريقة الكتابة المستفزة في ذلك! مثل قول بعضهم – هداهم الله -: “خدعوكم فاحذروا”، وأمثالها! وكأن الأمر قد دُبِر بليل!

فهل الأمر مبني على قصد الخداع؟ ومخالفة السنة أم أنه الاجتهاد لعدة اعتبارات؟!

وكذلك قول بعضهم: “لا يوجد في المسألة خلاف”! لا تسمعوا لهم، وغير ذلك.

وأكبر تلك المصائب كيفية التعامل مع ما رُوي في ذلك من آثار!!

طريقة جديدة في التضعيف!

فلا بدّ لكل إنسان أن يعرف حجمه، ويقف عند ما يعرفه!

 

فبعض الإخوة – هداهم الله – تقرأ منشوره ولا يعرف رأسه من رجليه، وكله أخطاء نحوية وإملائية، ثم تجده يُنصب نفسه للحكم على الآثار ولا بضاعة عنده في ذلك؟!

واعجباه!!!

قد ترجم الإمام ابن أبي شيبة في كتابه العظيم “المصنف” بابا “فِي إِعْطَاءِ الدِّرْهَمِ فِي زَكَاةِ الفِطْرِ”.

وابن أبي شيبة توفي سنة (235هـ)، ونقل ذلك عن عُمَرَ بنِ عَبْدِالعَزِيزِ، والحَسَنِ البصري.

فهل يُظن بهما مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما من كبار الفقهاء!

والحسن وما أدراك من الحسن!

نعم، هو قول له اجتهد فيه، فيمكنك مخالفته أو تقليده، فلا حرج عليك.

وابن أبي شيبة ينقل لك خلافاً هنا، فكيف نقول بأن المسألة لا خلاف فيها؟!

وأكثر شيء غاظني هو حكم كثير منهم على ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيّ بأنه لا يصح عنه، وأنه ضعيف!!

قال ابن أبي شيبة: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زُهَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ: “أَدْرَكْتُهُمْ وَهُمْ يُعْطُونَ، فِي صَدَقَةِ رَمَضَانَ الدَّرَاهِمَ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ”.

فهذا الخبر ضعّفوه بسبب: أن أبا إسحاق السبيعي اختلط، وزهير بن معاوية سمع منه بعد الاختلاط!

فعلى منهجهم هذا عليهم أن يضعفوا كل الروايات التي في “الصحيحين” وهي تربو على الثلاثين لزهير عن أبي إسحاق!

ثم هل فعلاً اختلط السبيعي الاختلاط الفاحش الذي من يحدث عنه في اختلاطه يترك حديثه؟

السبيعي مات وعمره (96) سنة، فطبيعي أن يتغير حفظه أو ينسى بسبب العمر.

فهو لم يختلط الاختلاط الذي يخشى منه، ولهذا قال الإمام الذهبي: “من أئمة التابعين بالكوفة وأثباتهم إلا أنه شاخ ونسي ولم يختلط”.

ثم هذا الذي يرويه عنه زهير، ما هو؟

هو قول له يُخبر عن شيء عاصره، فهل المختلط – على فرض اختلاطه – يؤثر هذا على ما أخبر به هنا؟! وكيف يختلط في ذلك؟

وهنا مسألة مهمة، وهي: إن التعامل مع الآثار تختلف عن التعامل مع الأحاديث المرفوعة!

فمنهج إعمال سيف الجرح فيهما سواء بسواء يُهدر لنا مئات بل آلاف الآثار والأقوال عن الصحابة والتابعين! وهذا لا يقول به أهل العلم.

فأبو إسحاق – وقد ولد سنة 33 هجرية في خلافة عثمان – يُخبر أنه “أدركهم” من هم؟

لا شك أنهم بقية الصحابة الذين كانوا في زمانه وكبار التابعين، فهو قد رأى علياً، وسمع من البراء بن عازب، وزيد بن أرقم، والنعمان بن بشير، وعَمْرِو بنِ الحَارِثِ خَتَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخِي جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ.

وسمع من كبار التابعين كسعيد بن جبير، وحارثة بن وهب الخزاعي، والشعبي، وعَبْداللَّهِ بن يزيد الخطمي، وعَبْدالرحمن بن الأسود ابن يزيد النخعي، وغيرهم.

وروى زُهَيْرٌ أيضاً قَالَ: حدثنا أبو إسحاق، قال: “كنت كثير المجالسة لرافع بن خديج رضي الله عَنْهُ، وكنت أجالس عَبْداللَّه بن عُمَر، ورأيت نساء النبي صلى الله عليه وعليهن وسلم حججن فِي زمن المغيرة فِي هوادج عليها الطيالسة، ورأيت الحارث بن أَبِي ربيعة والأسود”.

فهل نرد ما رواه زهير عنه هنا بحجة الاختلاط؟!

فأبو إسحاق يُخبر أنه أدركهم وَهُمْ يُعْطُونَ، فِي صَدَقَةِ رَمَضَانَ الدَّرَاهِمَ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ، فإن لم يكن الذين أدركهم هم بقايا الصحابة وكبار التابعين، فمن إذن؟!

وعلى العموم فهذه المسألة فيها خلاف شاء من شاء وأبى من أبى، والأصل فيها إخراج الطعام.

وحقيقة نحن نواجه مشكلة كبيرة في زماننا بالنظر إلى مجتمعاتهم قديما، فقديما الفقراء في مناطقهم يعرفون عندهم، لكن في مدننا الكبيرة وهذا العالم الكبير، فزكوات عشرات الملايين هذه كيف نخرجها طعاما؟!

نعم قد يستطيع بعض الناس فعل ذلك، لكن الأغلبية لا تستطيع، ولهذا يستسهلون إخراج المال لبعض الجهات!

والأصل أن يكون هناك عمل مؤسسي لثقات لا أي مؤسسة أو جمعية، تقوم على جمع المال من الناس ثم شراء الطعام وتوزيعه حتى خارج حدود البلد الواحد.

والكلام على هذه المسألة يطول.

وأسأل الله أن يتقبل من الجميع.

عن habib

شاهد أيضاً

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني من أين أبدأ هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *