الرئيسية / عاجل / حياتي مع تفسير الرؤى د. حسن شنن
د. حسن شنن

حياتي مع تفسير الرؤى د. حسن شنن

حياتي مع تفسير الرؤى

د. حسن شنن

(١)

بدأت ألحظ في نفسي – وأنا في سنٍ مبكرة – ميلاً إلى التأمل فيما يقص الناس أمامي من الرؤى والأحلام بل وأسعى جاهداً في تفسيرها ، ربما كان هذا غريباً على من هم في مثل سني وقتها لكن تزول هذه الغرابة بعض الشئ إذا عُلِم الوسط الذي نشأت فيه فقد كانت أمي رحمها الله معبرة أخذت العبارة شفاهة من جدي – والدها رحمه الله – الذي كان محفظاً للقرآن وحاذقاً في تعبير الرؤى. المهم أن تفسير الرؤى جذب انتباهي جداً حتى جُعِلت أتفحص ما أراه محاولاً تفسيره وأول ذلك أنى رأيت في منامي كأن فلق نخلة مما كان يُسْتعمل في تسقيف البيوت عندنا في الريف رأيته في بيتنا قد انكسر فاستيقظت فزعاً وأخفيت الأمر عن أمي وذهبت في الصباح مسرعاً إلى أختي الكبرى التي كانت حديثة العهد بالزواج وظللت أبكي عندها وهي تسألني ما يبكيك فلا أجيب .

(٢)

…ظللت أبكي أمام أختي في بيت زوجها وهى تسألني عن سبب بكائي فحكيت لها الرؤيا وأخبرتها بما في نفسى من تفسيرها وأنني قلق على أبي كثيراً فهدئت من روعي ، لكن لم انتظر سوى عدة أيام حتى توفي عامود كبير جدا من العائلة في البيت هو ابن عمي إسماعيل من زينة شباب العائلة فقد كان عُدة أبيه وذراع أعمامه وعليه حمل معظم العمل فى الحقل فأفجع الجميع بموته ، فخرجت حينها بأول درس عملي في التفسير خلاصته أن ليس من الضروري أن تقع مثل هذه الرؤيا على الأب بل يمكن أن تقع على غيره من أصحاب المكانة والمنزلة في الأقارب . ثم مضت بي الأيام حتى وصلت الثالثة عشرة من العمر وكنت أحب التدين وصحبة المتدينين ممن هم في مثل سني ونقضى معظم أوقاتنا في المسجد ، طبعاً كانت المساجد وقتها مفتوحة على الدوام لا تغلق إلا بعد منتصف الليل ،وكان التدين المنتشر آنذاك هو التصوف ، ولم امكث كثيراً بعد ذلك حتى رأيتني في المنام أنزل من سيارة ميكروباص وقد شد انتباهي رهط من الناس يقفون صفا مستويا بعيداً عني في مواجهتي وأمامهم رجل وجهه لهم وظهره لي وهم ينادونه يا رسول الله ففرحت كثيرا أن الذي ظهره لي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إنني قلت في نفسي لو كان هذا رسول الله حقاً فسوف يظهر لي من علامة أعرفها ..

(٣)

كنت أعرف أن من معجزات النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم أنه يرى من خلفه كما يرى من أمامه على الحقيقة أي أن الله تعالي خرق له النواميس الجسدية فمنح جلد رأسه من الخلف (في القفا فوق خاتم النبوة) خاصية الإبصار الكاملة تماماً كما ترى العين العادية – كنت قد قرأت هذا في السيرة وسمعته من خطب ودروس المساجد ثم لما كبرت وجدت هذا فيما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري بشرح صحيح البخاري وذكره أيضا الإمام النووي في شرح صحيح مسلم – فقلت في نفسي في الرؤيا : لو كان هذا الرجل الذي يعطيني ظهره هو النبي صلى الله عليه وسلم حقاً كما يناديه أصحابه فسيؤكد لي أنه الآن يراني ، فكأن الله تعالى أخبره بما يدور في نفسي وعلى الفور استدار إلي بكامل وجهه وجسده وهو يبتسم لي وكأنما يقول لي نعم هو أنا ، وكان من صفاته أيضاً أنه إذا التفت لأحد استدار له بكامل جسده الشريف وهو ما فعله معي تماماً. فتأكدت أنه النبي صلى الله عليه وسلم على الحقيقة وسرني كثيرا أنه ابتسم لي واستيقظت على ابتسامته وأنا أكاد أطير من الفرح والسعادة ، ثم إنني على الفور بدأت أفكر في تفسيرها .

(٤)

استيقظت وانا في منتهى السعادة لأنني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم لي وشرعت على الفور في التفكير فى تفسيرها ، فخلصت إلى أنني سأمر بمرحلة تغير في الفكر الديني ولكن كيف ومتى لا أعلم المهم انه سيكون بلا شك إلى الأفضل بمشيئة الله تعالى . وكان الفكر الديني الغالب عند معظم الناس هو الفكر الصوفي وهو ما كنت أنخرط فيه .. ثم مرت وأنا على ذلك عدة سنوات وصلت بعدها إلي سن السابعة عشر التي اكتشفت أثناءها نضوجا عقلياً منحنى القدرة على التمييز بين بعض المسائل المتداخلة في الفكر الديني ووقعت في يدي بعض الكتب كانت تعتبر باكورة حركة الإحياء الإسلامي تمثلت في تحقيق ونشر كتب السلف الصالح، فأحدثت داخلي معارك شديدة تتعلق بالفكر والعقيدة وبدأت بالفعل مرحلة جديدة تغير فيها فكري تماماُ من التصوف إلى الالتزام السلفي . وكان من بين ما وقع تحت يدي من الكتب كتاب في تعبير الرؤيا كان منزوع الغلاف ويبدأ بالمقدمة فأسرعت إلى قراءته وعرفت من خلال قراءته أنه للإمام ابن سيرين، فعرفت منه رموزاً كثيرة لتعبير الرؤى جعلتني أقتحم هذا المجال وذاع صيتي بين الإخوة الملتزمين وبدأت أختلط بشباب كثير حدث لهم مثل هذا التغير وتزايدت أعداد الشباب الملتزم في شتى أنحاء البلاد في نهضة واسعة تزايدت في الجامعات في النصف الأخير من سبعينيات القرن الماضي وانتقلت إلى المدن والقرى والنجوع . وعرض لي أن جائني أخ داعية جليل القدر من بولاق الدكرور هو شيخنا الشيخ محمد عبد السلام فرج رحمة الله عليه كان قد رأى في منامه ما أفزعه فلم يُطق صبرا وركب مسرعاً وأتى إلي في ناهيا وقص علي رؤياه وهو خائف جداً من تفسيرها قال: رأيت أنني أدخن سيجارة وأنفث دخانها حولي ، أصدُقني بالله عليك هل سأفتن في ديني .

محمد عبد السلام فرج

(٥)

فلما قص الشيخ محمد عبد السلام عليَّ رؤياه تبسَّمتُ فقال: بقى أنا تعبان وأنت بتضحك . قلت له لأن الامر لا يستدعي كل هذا التعب وليس فيه فتنة في الدين ولا غيره، الموضوع ببساطة أنك ستأخذ دور برد مصحوب بارتفاع في درجة الحرارة ثم ستُشفىَ بإذن الله، فتعجب من التفسير ثم دعى لي وانصرف رحمه الله رحمة واسعة وأنزله منازل الشهداء .. طبعا كانت تأتيني منامات كثيرة من الإخوة ومن الناس ولكني هنا لا أقص سوي الرؤى التي كانت تذهل من رآها أو التي كانت تشكل محطات بارزة أو منعطفات تاريخية . ولا بد هنا أن أقرر بأنني لم أكن أفسر جميع ما يأتيني من الرؤى حيث كان منها ما أرى أنه من حديث النفس أو الأضغاث أو ما كنت أعجز عن تفسيره وهو الأكثر … ثم دخل عام ١٩٨١ الذي حمل تغيرات كبيرة وحادة على كافة المستويات الداخلية والمحلية والدولية وعلى كافة الأصعدة السياسة والاجتماعية والثقافية . إلخ . واشتعلت فيه ما عُرِف آنذاك بالفتنة الطائفية التي بدأت بأحداث الزاوية الحمراء، سبق ذلك منذ عام ١٩٧٨ وواكبه تزايد وتيرة حركة الاستقطاب السياسي على مستوى المنابر التي كانت نواة تشكلت منها الأحزاب السياسية، وعلى المستوى الإسلامي الذي شهد عمليات استقطاب حادة لبلورة مجموعة من الأفكار تشكلت حولها وتمايزت عليها الجماعات الإسلامية التي كان بعضها قديما وبعضها جديداً، وكنتُ ممن مورست عليه محاولات الاستقطاب السياسي الإسلامي ، فاضطربت الأفكار بداخلي وآلمتني وشغلت بل واستولت على تفكيري حتى كثر تساؤلي مع نفسي – إلى متى هذا وما نهاية هذا الطريق ، وذات ليلة كنت معتكفاً في مسجد أنس بن مالك عند الشيخ إبراهيم عزت رحمه الله رحمة واسعة وأنزله منازل الشهداء نمت بعد منتصف الليل وأنا على تساؤلي هذا وإذ بي أرى نفسي واقفاً وحدي في صحراء ليلاً وكأنني تائه وإذ بشخص – لم أر ملامحه جيداً – يقول لي: تريد أن تعرف نهاية هذا الطريق ، قلت نعم. قال تعالي معي وأخذني من يدي في طريق طويل حتى وصل بي إلى باب كبير حوله أنوار لا مصدر لها ومكتوب عليه – جنات عدن – فقال لي .. ونستكمل إن شاء الله في المرة القادمة .

عن habib

شاهد أيضاً

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني من أين أبدأ هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *