الرئيسية / الحركة الإسلامية المعاصرة / من خطوات التأسيس الأولى للحركة الأسلامية المغربية-15-16

من خطوات التأسيس الأولى للحركة الأسلامية المغربية-15-16

من خطوات التأسيس الأولى للحركة الأسلامية المغربية

15-16

فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي الحسني الهاشمي

(الحلقة 15)

أعلنت وزارة التعليم عن إجراء مباراة علمية ومهنية على الصعيد الوطني لاختيار مفتشين للتعليم العربي في الرباط والدار البيضاء الأولى، والدار البضاء الثانية وفاس،فشاركت في المباراة وكنت الأول فيها، مع ثلاثة مفتشين هم الإخوة المجدوبي وحدو والخضر السلاوي، ودعينا إلى وزارة التعليم لاستلام مناصبنا من رئيس ديوان الوزير، على أن يختار كل منا بين المناصب الشاغرة المعلن عنها رسميا، فدخلت الأول حسب ترتيبي ولكنه عرض علي الاختيار الإجباري أو يلغى نجاحي بين أكادير وتازة والناضور وورززات على أن يكون مكتبي في مراكش، فاخترت ورزازات، وخرجت ليدخل من بعدي. وأثناء وقوفي في بهو الوزارة التقيت بالملحق الإدااري والتربوي بديوان الوزير مولاي العربي المسعودي رحمه الله، فدعاني لفنجان شاي في مكتبه، ولما حدثته عما وقع في أمر التعيينات ضحك وعلق: لو كنت تغرف له لعينك في مكان مناسب، فأجبت: “أنا لا أغرف لنفسي فكيف أغرف لغيري”، فزاد ضحكة أخرى وقال:”فدعك في ورززات تغرف الرمل”.

هكذا بدأت عملي في ورزازات مفتشا للغة العربية ثم مفتشا إقليميا للتعليم كله بنفس المنطقة، ثم انتقلت إلى مدينة مراكش ثم إلى الرباط والقنيطرة ثم إلى الدار البيضاء (2) أي الشاوية ودكالة، ثم إلى تازة ثم إلى الدار البيضاء الأولى (أي المدينة والمحمدية) حيث استقر بي المقام بعد مسيرة من الاضطهاد والتضييق، ختمت بالاقتناع التام المطلق بأن المغرب في أشد الحاجة إلى إنقاذ أخلاقي وتعليمي وتربوي قبل أي إنقاذ سياسي، ومن ثم رأيت أن أفكر في طريقة للقيام بواجبي في الإصلاح وقد يئست من فعالية الأحزاب السياسية القائمة وعرفتها جيدا ناشطا سياسيا ونقابيا وثقافيا من خلالها ومن علاقاتي بالقائمين عليها، فكان أن قيض الله لي أخوين من التعليم الثانوي في منتهى الصدق والهدوء والأمانة والإيثار، كان لهما دور سابق في المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي وعفَّ كل منهما عن الاستفادة المادية مما خصص للمقاومين بعد الاستقلال من منح مادية، هما الأخ عبد اللطيف عدنان، والأخ محمد العبدلاوي المدغري، رحمهما الله.

توالت اجتماعاتنا حول ما فكرنا فيه سوية، واندمجت عائلاتنا وتصاحب أبناؤنا فصرنا كالعائلة الواحدة، وحوارنا مستمر لا ينقطع في البحث عن وسيلة فعالة للإنقاذ الفعال، وفي إحدى الجلسات تذكرت مثلا مغربيا دارجا هو (ولدو فوق قفاه وهو يبحث عنه) فقلت لهما: “ألا ينطبق هذا المثل على حالنا؟ أبناؤنا تلامذة وطلبة أمامنا وإخوتنا معلمون بين أيدينا، وتلامذتهم سفراؤنا لعائلاهم، والدار البيضاء أكبر مدن المغرب تجمع كل قبائله وبطونه وأعرافه وعاداته ولهجاته حضَريِّه وبدويِّه، ونحن نبحث عن الحل، نبدأ أولا بما بين أيدينا”.

هكذا أمسكنا برأس الخيط والمنسج كما يقال، وانتقلنا النسيج ، فماذا ننسج ؟

كان الهدف غائما، ولكنه دائما في حوارنا يدور حول إنقاذ أمتنا في المغرب من السقوط في الهوة التي تسير إليها، وقد اتفقنا على أن الآفة التي تعاني منها متعلقة ببوادر الانهيار الديني والعلمي والثقافي والأخلاقي الذي طغى على النخبة في الدولة وفي مرافق البلاد والأحزاب السياسية وأنشطة المعارضة العلنية والسرية اشتراكية وماركسية وماوية ,.أما النشاط الديني فلم يكن متجليا إلا في نشاط رسمي بوزارة الأوقاف والشؤون اٍلإسلامية حاول علال الفاسي رحمه الله عندما عين وزيرا لها النهوض بها ولم يكمل مشروعه لها، ونشاط طرقي بين كبار السن وبعض الكهول، بعضه متخلف وبعضه تروج حوله الشائعات.والشبهات.

كان هذا الوضع يقود حتما إلى طرح موضوع مناقشة أداة الإصلاح التي نعتمدها لتحقيق الهدف، فهل نؤسس حزبا أو جمعية أو مشيخة؟ وفي يقيننا أن من أسس حزبا لا بد أن يشارك في السلطة أو يسعى لها من قريب أو بعيد، فيناله من أوساخها وأموالها، ولن يستطيع أن يحقق ما نفكر فيه.

ومن يؤسس جمعية فسوف تبقى محدودة في حي أومدينة تحت رحمة الأجهزة وتمويلا من وزارة الثقافة والمحسنين المتعاطفين,

ومن يفكر في تأسيس طريقة صوفية فهو من مرضى التمشيخ ومركبات النرجسية والتعلق بالذات …

لذالك استقر رأينا أخير على أن نؤسسها من أول أمرها دعوة إصلاحية مفتوحة، ليست حزبا ولا جمعية ولا طريقة صوفية، أو زاوية، المعلمون أمامنا أحباب وأصحاب ومربون تحت إشرافي التربوي والإداري، والمعلمون بين أيديهم التلاميذ والطلبة، والتلاميذ والطلبة رسل إلى أهلهم من جميع الطبقات، وأدوات فعالة للتغيير والإنقاذ والإحياء في المستقبل، ونحن لا نقوم إلا بما يفرضه علينا واجبنا كرجال تربية وتعليم في مكاتبنا ومدارسنا وشوارعنا ومرافق وطننا.

سرنا على هذا النهج، ولشدما كانت النتائج باهرة، إذ بعد مدة يسيرة اشتريت بقعة أرضية في حي بولو بالدار البيضاء، كي أجعلها مدرسة إسلامية على نهج قويم ووقفا للدعوة الإسلامية، وكتبت بذلك توثيقا تركته أمانة عند الأخ إبراهيم كمال، فنصب عليَّ فيها مبعوث لإدريس البصري وأنا في الهجرة، وكنت قد استعنت عند شرائها بمشورة صاحب مكتب عقاري عرفني فاستشارني في أمر أحد أبنائه وقال:

لدي ابن أتعبني ولم يطع أمري، فقلت كيف ذلك؟ قال متدين يريد أن يفرض علينا في البيت سلوكه، وفكرت في إرساله إلى ألمانيا في إجازة الصيف مع أختيه كي يرى الدنيا وينفتح عليها، واستخرجت له ولأختيه الجوازات والتأشيرات وتذاكر السفر، فدخل مسجدا يتوضأ ويصلي ونسي كل الوثائق في “الميضأة” فضاعت، فسألته عن اسم ابنه فقال: “عمر”، فعرفته من أبنائنا الحركيين، وأوصيت الأب باللين في معاملة ابنه ونصحت له، ثم التقيت بالابن “عمر” وأصلحت بينه وبين أبيه بعد أن اعترف لي بأنه لم يضيع الوثائق وإنما زعم ضياعها للتخلص من السفر بأختيه إلى ألمانيا وهو ينوي التفرغ للدعوة في إجازة الصيف.

هكذا سرنا أول خطواتنا، دعوة مفتوحة ليست حزبا ولا جمعية ولا تكايا وعظ أو زوايا تصوف، أو حلق مشيخات، كل واحد منا بفضل الله أمة، لم نعرف ولم نستعمل ما عرفته أو اسنعملته المنظمات الدعوية المشرقية من مصطلحات ” نقيب” أو “نقابة” أو “أمير” أو “إمارة”، أو حزب أو حركة، ولا ما عرفته حلق التصوف من مصطلحات “المريد” أو “الشيخ” أو “الحال” أو “الرؤى، أو خزعبلات المنامات، وسرنا في الطريق وبين الناس كما يسير الدم في الجسد فاستعصت حركتنا على الاستئصال لحد الآن، رغم ما سلط علينا منذ أكثر من خمسين سنة من أساليب للضغط والتخويف والاعتقال والاغتيال والاختطاف والسجن والمطاردة. شعارنا المثل المغربي: “اللي بقا من النصل يقطع البصل” ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

(الحلقة 16)

نمت حركتنا بفضل الله تعالى عددا وازداد أهلها تفقها والتزاما أخلاقيا وعبادة وحيوية وتأثيرا في المجتمع من غير أن تتخذ عنوانا، لا بصفتها حركة إسلامية أو حزبا إسلاميا أو طريقة صوفية، أو تتخذ للمسؤولية فيها ألقابا أميرا أو رئيسا، أو مرشدا عاما أو خاصا أو شيخا أو نقيبا أو مريدا أو أي لقب من ألقاب الحركات الإسلامية تاركين للجمعيات التي تأسست حرية النشاط بكل حرية في إطار القانون، من دون أن نتخذ أي موقف سياسي أو غير سياسي ضد الدولة، قرارات أو مؤسسات، وعندما رسب أحد طلبتنا من ثانوية … في امتحان الثانوية العامة (البكالوريا)، وسألني مساعدته للعودة إلى الدراسة بعد أن طرد منها لرسوبه، فوجئت بتعيينه من وراء ظهري خلافا للقانون حارسا عاما بنفس الثانوية، وأخفى عني ذلك، فلما فتحت ملف تعيينه وجدت توصية له بذلك من جهاز أمني، وتأكدت أن الأصابع الأمنية تسللت إلى صفنا، ولما أخبرت بذلك الأخ إبراهيم كمال رحمه الله قال: نطرده، فقلت: بل دعه يتعيش ويرعى أمه فهو يتيم الأب، ونحن لا نقوم بعمل سري أو سيء أو مضر أو مخالف، ونشاطنا في مصلحة الدولة ومكمل لجهودها التعليمية.

وفي هذه الأثناء تنامت ظاهرة التمشيخ بحدة بين بعض إخوتنا الذين وجهناهم للوعظ في المساجد، وكثر رواد مجالسهم فتنافسوا تنافسا أضر ببعض النفوس، إذ أخذ بعض وعاظهم يحاولون استقطاب رواد مجالس غيرهم من الوعاظ تكاثرا وتنافسا، بل وجدت أحدهم غفر الله له قد نظم سرا جماعة في بيته من تجار منطقة ينتسب لها ويأخذ منهم أموالا لنفسه، فحاولت إصلاح هذا الخلل، بالتعريض وضرب المثل في مجلسي معهم، وفي هذه الأثناء ألفت وزارة التعليم لجنة من حوالي عشرين مفتشا لمراجعة برامج التعليم بقسميه الديني واللغوي وجعلتني مسؤولا عن الإشراف عليهم أثناء إنجازهم هذا التكليف، على أن نجتمع في وزارة التعليم بالرباط سوية وننجز المهمة سوية، فلما اجتمعنا في اليوم الأول اختلفنا حول تحديد ما طلب منا ومنهجه ومدة إنجازه، فاقترحت عليهم فضّاً للخلاف أن نعود إلى مقار عملنا ثم يهيئ كل منا تصوره للعمل ولكيفية إنجازه، على أن نعود للاجتماع في الأسبوع المقبل فتتضح الرؤية ويتضح السبيل، فوافقوا ورجعنا، كل منا إلى مقر عمله.

بعد عودتي إلى الدار البيضاء جمعت الإخوة المعلمين الوعاظ وعرضت عليهم القيام بالمهمة التي كلفت به الوزارة مفتشيها، فينجزون هذا المشروع وأقدمه للجنة التي أشرف عليها تتبناه وتقدمه لوزارة التعليم باسم مفتشيها، فوافقوا واعتكفنا في بيت أحدنا أهله في حالة سفر، حوالي خمسة أيام، أنجزنا فيها المهمة كاملة، وطبعت المشروع المنجز بمكتبي التربوي في محلدات خمسة، لكل فصل من فصول المرحلة الابتدائية مجلد، ثم عرضتها على مجلس المفتشين مقترحا عليهم أن يروا رأيهم فيها فوافقوا وقدموها للوزارة إنجازا لما كلفوا به.

كان لهذا العمل المشترك بين بعض الإخوة المعلمين المتنافسين أثر إيجابي عميق، في إشعارهم بضرورة إنكار حظوظ النفس والتوجه للعمل البناء المشترك، فانعدم في العلاقة بين بعضهم أي تنافس سلبي، وأخذوا يتحاورون حول المشاريع البناءة المشتركة بدل المشاريع الذاتية والفردية أو النفعية.

عن habib

شاهد أيضاً

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني من أين أبدأ هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *