الرئيسية / المنبر الحر / من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية-11-12

من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية-11-12

من خطوات التأسيس الأولى للحركة الإسلامية المغربية

(الحلقة -12-11)

فضيلة الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي الحسني الهاشمي

11

عندما بدأت تظهر آثار دعوتنا في المدارس والثانويات والمساجد والشوارع، سُنَّت ضدنا الرماح والسكاكين، وشُنَّت علينا حملات التشكيك، كما هي حال كل دعوة صادقة عبر التاريخ، ولكن لم تؤثر في براعمنا من الشباب إلا الحملات الفكرية السياسية التي كان يقوم بها الطلبة العقائديون، علمانيين واشتراكيين وشيوعيين، كانوا يتحدون شبابنا بسؤال وجيه حول هدفهم فلا يجدون لديهم إلا جوابا تقليديا عاما من شعارات إسلامية متراكمة، وإشادة برموز إسلامية تاريخية عادلة، ونقد للنظام القائم، فإن سئلوا عن البديل الذي يريدون إقامته في البلاد لم يجدوا لديهم جوابا مقنعا، فإن رجعوا إلى الإخوة المعلمين كذلك لم يجدوا لديهم جوابا شافيا، كما هو الحال لحد الآن لدى كثير من الإسلاميين شيبا وشبابا، فاضطررت لتكوين لجنة عقدية سياسية خاصة من بعض الإخوة المعلمين لدراسة هذا الإشكال وإيجاد حلول شافية له، وتكفلت بكتابة بحث كل خمسة عشر يوما، أقدم فيه لهذه اللجنة المستحدثة خلاصة دراستي للتاريخ السياسي لدى المسلمين، بدءا من الأرضية السياسية لعرب الجاهلية إلى العصر الحديث، ومحاولة استخلاص العبر منه بكل حيادية وموضوعية، لا سيما وقد سبقت لي دراسة هذا التاريخ في مطلع يفاعتي وشبابي، وتدريسه مع مادة الفقه واللغة العربية في ثانوية الأمير عبد الله بالدار البيضاء سنة 1959 وفي ثانوية ابن عباد بسطات سنة 1960، واستوعبته من قبل مناضلا في الحركة الوطنية عندما كانت تحتفظ في نشاطها بجانب ثقافي وتثقيفي في صفها أوائل الخمسينات في زمن الاستعمار وأوائل الاستقلال، وألقيت بعضه عقب الاستقلال مباشرة في محاضرات كانت تنظمها الشبيبة الاستقلالية أسبوعيا في مراكز الحزب بالدار البيضاء كما شملت هذه الدراسات التي لم تنتظم مسيرتها ثم توقفت لظروف تذكر في وقتها، النظم السياسية التي قامت في مجتمعات غير المسلمين منذ بروز الفكر السياسي لدى الإنسان في أروبا وآسيا؛ ودراسة الفقه السياسي لدى فقهاء المسلمين وفلاسفتهم، دراسة نقدية تسعى لتحديد أوجه الخلل السياسي الذي عاق النهضة وأسقط بلاد المسلمين قرونا في التخلف والجهل والمرض والضعف، وقرونا أخرى تحت سنابك الغزو الأروبي فرنسيا وبريطانيا وهولنديا وبلجيكيا وألمانيا…

هذه الدراسات التي كنت أقدمها للإخوة المعلمين، كانت تتخلل التاريخيةَ منها نقاشاتٌ حادة بينهم تنتهي غالبا بالتوافق، خاصة عند مناقشة أحداث التاريخ، ونقاشات أخرى أكثر حدة عندما نحاول استخلاص النتائج ونتساءل عن البديل، فيتساءل بعضهم أحيانا عن علاقة ما ندرس بالإخوان المسلمين، أو بحزب التحرير أو بحركة الخوارج في الإسلام، إلا أنه بعد فترة تم الاستيعاب للنهج، وأخذت معالم الطريق تتضح، وفهموا حينئذ أننا بصدد تأسيس حركة إسلامية إحيائية رائدة، وأننا نحاول استكشاف منهج سياسي للحكم نستضيء به في حركتنا ونبشر به، ونرد به على فصائل المعارضة التي تتحدى بسؤالنا عن البديل السياسي الذي نهضنا من أجله وندعو له.

(الحلقة 12)

في الوقت الذي كرسته لبناء الخط السياسي والفكري لحركتنا، كان التباين بين ما يلقاه طلبتنا الشباب وتلامذتنا اليافعين من تحديات في ساحات الدراسة وبين هدوء الإخوة المعلمين وظروفهم الاجتماعية قد أخذ يعطي أكله تنافرا أو تنافسا بين المعلمين وبعض الطلبة الذين أخذوا يتقمصون أدوارا قيادية، وينالون من بعض المعلمين المشتغلين بالوعظ والتربية الفقهية، ثم زاد الطين بلة ظهور وعاظ متمكنين ترسلهم بعض الدول العربية والمشرقية بتنسيق مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فاختلطت بذلك التوجهات المذهبية والجدل الفقهي في المساجد بين أتباع المذهب الحنفي الذين بدا منهم بروز متميز في جماعة التبليغ، وبين السلفيين الذين برز نجمهم بدعم من السعودية، وبين الوعاظ المحليين الذين أعادت تنشيطهم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على المذهب الرسمي للمملكة الذي يجمع بين الملكية والمالكية والتصوف، فتحولت المساجد إلى حلبة لصراع المذاهب مظهرا، وصراع السياسات جوهرا، وكان من أكثر ما ثار الجدل حوله في مساجد الدار البيضاء ثم شاع وذاع في المغرب كله، ودام الحوار حوله في المساجد أكثر من سنة، وتنوعت حوله الفتاوى، هو موضوع ذكاة الحلزون “الببوش” الذي يباع للفقراء في الأسواق الشعبية، والجراد الذي يجتاح المنطقة المغاربية أحيانا فيسلق ويباع كذلك للفقراء وهل ذكاته شرعية فيؤكل أو غير شرعية فحرام.

لقد كان الأمر يبدو عفويا لولا أن اتضح أن جهة أخرى تعبث في الساحة الإسلامية، إذ عمد طالبان اثنان كانا في النقابة الوطنية الماركسية اللينينة المتطرفة للتلاميذ، ولهما صلة مشبوهة ببعض الجهات النافذة إلى اقتحام المسجد اليوسفي بأحباس الدار البيضاء والشيخ أبو بكر الجزائري رحمه الله المبتعث من دار الإفتاء السعودية بالتنسيق مع وزارة الأوقاف الإسلامية المغربية يلقي درسه على المنبر، وقاما باستفزازه ثم شتماه وأمسكا بلحيته وأوهماه أنني من حرضهما على ذلك، وأنا لا علم لي بالموضوع مطلقا إلا بعد وقوعه، ولا أقره وأعده جريمة شنعاء، ، فكانت النتيجة أن قام الشيخ أبو بكر الجزائري بجولة في المغرب من وجدة في الشرق إلى تطوان وطنجة في الشمال إلى مراكش في الجنوب يلقي فيها دروسا دينية يتخللها الهجوم عليَّ باسمي الشخصي على المنابر، وينعتني بأشنع الأوصاف من قبيل: “متطرف متشدد عاص لأمير المؤمنين…”، فلم أرد عليه علنا ولا سرا، ولم أزره، واتخذت وضع الذي لا يسمع ولا يعلم حتى عاد إلى السعودية وظننت أن فتنته انطفأت، ولكن بعد هجرتي إلى السعودية استثمر إدريس البصري – عليه وعلى الذين أعانوه علينا ما يستحقون – غضب الشيخ أبي بكر الجزائري رحمه الله فأرسلوا إليه أحد الشباب المطرودين من حركتنا وقد صار موظفا بوزارة الداخلية بعد استقطابه من طرف ضابط الشرطة الخلطي، وطلب منه محاولة طردي من السعودية وتحريض الشيخ ابن باز عليَّ، ظانين أنه هو الترس الذي يحميني فيها، إلا أنه كان يعرفني جيدا فأصلح بيني وبين الشيخ أبي بكر رحمه الله، وباءت محاولة الاستخبارات المغربية بالفشل، والحمد لله.

بهذه الحلقة أتوقف عن متابعة نشر ما بعدها تفرغا للعشر الأواخر المباركة من هذا الشهر الكريم راجيا من الله تعالى أن يبلغنا وإياكم ليلة القدر، إنه سميع مجيب، فلا تنسوا أخاكم من طيب الدعاء ، على الأقل لأنني نصحت لكم ولم أخنكم سابقا ولا لاحقا. وإلى لقاء آخر بعد عيد الفطر المبارك إن شاء الله تعالى.
تقبل الله الصيام والقيام وجعلهما عتقا لنا ولكم من النار

عن habib

شاهد أيضاً

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني

ذكريات أم في القدس   قصيدة للشيخ أبي عبد الله الزليطني من أين أبدأ هذا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *