الرئيسية / مقالات / السيف والقلم 》( رحلتي مع الجماعة الإسلامية ) (7_8)

السيف والقلم 》( رحلتي مع الجماعة الإسلامية ) (7_8)

السيف والقلم 》

( رحلتي مع الجماعة الإسلامية )

(7_8)

الشيخ عاصم عبد الماجد

7

نحن الآن في منتصف عامنا الدراسي الثاني بالجامعة وتحديدا في يومي 17-18 يناير من عام 1977 حيث اندلعت مظاهرات عارمة في كل أنحاء مصر تقريبا احتجاجا على غلاء مفاجئ قررته الدولة في أسعار عدة سلع على رأسها الخبز الذي صار رغيفه بقرش كامل !!

نظم الشيوعيون بجامعتنا -ككل الجامعات- مظاهرة انطلقت من الجامعة وراحت تجوب الأحياء الشعبية في أسيوط وتدور دورة واسعة قبل أن تعود للجامعة. شاركت أنا والأخ عصام دربالة فيها وكنت كلما انتهزت فرصة للصعود على اكتاف بعض الشباب والهتاف بهتافات ناصرية تكاثر حولي الشيوعيون بشوشرتهم حتى أكف.

مع المساء انصرف الجمع بعد محاولة فاشلة للاعتصام وفي الصباح كان قرار إغلاق الجامعات المصرية مصحوبا بقرار التراجع عن زيادات الأسعار.

بعدها بأيام عقد السادات عدة لقاءات مع شرائح متعددة لكي يظهر للعالم أن الجميع هنا راض به وبسياساته.
كان منها لقاؤه بالقيادات الطلابية للجامعات. وهو لقاء ضم رؤساء اتحاد طلاب مختلف الجامعات التي كانت ستة على ما أظن.
فحضر الأخ عبد المنعم أبو الفتوح رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة والقيادي الكبير بالجماعة الدينية بها. وحضر حمدين صباحي رئيس اتحاد طلاب جامعة عين شمس وكان أحد ممثلي التيار الناصري بها.

وحدث الصدام المعروف حينما تكلم عبد المنعم وانتقد إبعاد الشيخ الغزالي عن الخطابة وتقريب المشايخ الذين ينافقون الرئيس. وتكهرب الجو حين رفض السادات هذا الكلام مؤكدا أن أحدا لا ينافقه وثار ثورة عارمة على عبد المنعم الذي حاول امتصاص غضبه بالقول إن هناك فرقا بين كونهم ينافقونه وبين أنه يقبل نفاقهم فرفض السادات هذا التبرير وازدادت ثورته فحاول عبد المنعم ثانية استمالته بأن قال له إنك عودتنا الصراحة فرد السادات هناك فرق بين الصراحة والوقاحة فاضطر الشاب الصغير للسكوت وخرج حمدين صباحي فقال أشياء كلا شيء وجلس.

ورغم أن الناصريين حاولوا الادعاء بأن ممثلهم كان أفضل لأنه كان أكثر حكمة من ممثل الجماعة الدينية إلا أنه بدا واضحا أن التيار الديني يملك جرأة لا يملكها تيار آخر.

هذه الجرأة في الحقيقة -بعد توفيق الله وعونه ومعيته- هي التي غيرت وجه مصر.

في وقت مقارب رأيتني في صالة الاستقبال بمدخل مبنى (ج) بالمدينة الجامعية الجميلة أمسك متعجبا بمجلة المصور محاولا فهم صورة الغلاف التي قيل إنها لطالبة جامعية منتقبة.

يا إلهي هذا الشيء الأسود هو طالبة جامعية !! وبكلية طب القاهرة !! أين هذا من كرنفال الأزياء والأبدان العارية التي تتبختر في كل جامعاتنا ومدننا ولم ينج منها سوى القرى.
حتى انني -أقسم بالله- عندما رأيت بعض نساء عائلتنا يطلن ثيابهن ظننتها صرعة جديدة من صرعات الموضة الأوروبية !!

الصحوة الاسلامية

أما أن يكون هذا من الدين فهذا شيء ما وجدنا عليه آباءنا ولا عرفته حتى منابر المساجد ولا دخل حينها بيوت الدعاة !!

والله يشهد أنه بعد ثلاثة أعوام أو أقل صار الحجاب هو الزي المعتمد للمرأة المسلمة في مصر ولم ينقض عصر السادات حتى قيل لا توجد في مصر مسلمة متبرجة !!

وهذا كان أحد حسنات الجماعة الإسلامية لم يسبقها إليه أحد وتأثر بها كل أحد.

بالطبع تحرك شياطين الإنس والجن لمحاصرة هذه الظاهرة لكنها كانت أكبر منهم كثيرا فصرفوا جهدهم للعبث بالحجاب والتلاعب به باسم الموضة.

لم يكن الحجاب هو الظاهرة الاجتماعية الوحيدة التي سادت بل رافقها عودة الشباب للمساجد الخاوية والتزام كثيرين بالهدي الظاهر وإفشاء السلام بدلا من التحيات التقليدية المعروفة وقتها والخروج بصلاة العيد إلى الساحات وسحب الأموال من البنوك الربوية واختفاء البدع الصوفية.

كان الأهم من ذلك كله أن الناس أصبحوا يسألون قبل الإقدام على فعل هل هو حلال أم حرام !!

وهذا هو جوهر الإسلام أن تعلم أنك عبد لله ولست حرا تفعل ما تشاء.

لا لم أقل إن الناس جميعا التزموا بأحكام الإسلام بجوارحهم. ولكن أكثرهم صار لديه الالتزام القلبي أي الاعتقاد بأنه ملزم بطاعة الله حتى لو ترك بعض فرائضها أحيانا.. ملزم بترك معصية الله حتى وإن وقع فيها أحيانا.

لم يتحقق ذلك عبر سنوات قليلة إلا بجهد كبير بذله مئات من الشباب الذين صاروا بعد قليل ألوفا ثم عشرات ألوف ولم تنته حقبة السادات إلا وهم مئات ألوف. قبل أن يحدث الانفجار الكبير في عصر مبارك ليصير قوام الحركة الإسلامية عدة ملايين.

ولكنهم للأسف صاروا في أيام السادات الأخيرة شيعا وأحزابا واستمروا كذلك.
وهذا حديث يدمي القلب فدعونا نؤخره ما استطعنا.

8

انتهى عامي الدراسي الثاني بالكلية وحصلت على تقدير جيد جدا ضمن أربعة فقط نالوا هذا التقدير.

وهو تقدير عزيز في هذه الكلية الصعبة وفي هذا القسم الأصعب
لكن فرحتي بهذا التقدير كانت منقوصة فقد مات جدي رحمه الله بعد الامتحانات وشاهدت لأول مرة رجلا يحتضر وروحا تغادر الجسد فيسكن فجأة وجسدا لف بالكفن يدس دسا في أعماق الأرض وسط بكاء الرجال.

هذه المشاهد المتتابعة كانت بعض روافد اتعاظ تسللت للقلب الغافل لكنها حتى الآن لا تقوى على إيقاظه.

راعني يومها أن والدي كبر فجأة أمامي حوالي عشرين عاما. فقد كان الولد الذكر الوحيد المتبقي لجدي الذي توفي له اثنان في المهد. وكان جدي شديد التعلق عظيم الشغف به. فإذا غاب عنه طويلا ولم يأت لزيارته بالقرية اشتد غضبه وراح يهاجم الاتحاد الاشتراكي الذي شغل ولده عنه (رغم أن جدي هو الآخر كان قياديا بالاتحاد الاشتراكي !!). فإذا رآه فجأة بعد غياب أسابيع يدخل عليه الدار -تحكي جدتي- يستنير وجهه ويهش له وكأن شيئا لم يكن.

بعدها قال لي شقيقي الأصغر إن والدي كان كذلك معي فإذا كنت في أسيوط وقت الدراسة راح ينتقد أفعال الإخوة المتهورة. فإذا حضرت في أجازة قصيرة -يحكي أخي- اتكأت إلى جواره على سريره وراح يستمع بشغف لملخص أعمال الجماعة الإسلامية خلال الأسابيع الفائتة !!

أوكل لي أبي مهمة إدارة مزرعة جدي الصغيرة (5 أفدنة) ورغم أنني لا أعرف عن الزراعة إلاالقليل فقد قبلت التحدي ونجحت.

ومع بداية العام الدراسي 1978/1977 بدأت مع رفيق الدرب عصام دربالة التجهيز لانتخابات اتحاد الطلاب. وأعددنا بالفعل قائمة ناصرية من أعضاء أسرة (الطليعة) التي دشناها قبل عام وطبعنا القائمة ومعها برنامج العمل الذي نعد بتنفيذه حال الفوز. وعندما بدأنا توزيعها ثارت ثائرة الجماعة الدينية (التي صار اسمها الجماعة الإسلامية) ذلك لأننا كتبنا في صدر المطبوع قول الله تعالى :
( إِنَّهُمۡ فِتۡیَةٌ ءَامَنُوا۟ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَـٰهُم هدى )
فظن الطلاب -كذا قالت الجماعة الإسلامية لنا- أن هذه قائمة الجماعة.
وبعد مشاورات اتفقنا أن تكون هناك قائمة موحدة وأن تخلي الجماعة مقعدا في اللجنة الثقافية لعصام ومقعدا في اللجنة الفنية للعبد الفقير في مقابل إلغاء سحب قائمة أسرة الطليعة كلها.

ستسألني ألا يعد ذلك تخليا منكما عن بقية المرشحين على القائمة الناصرية فأجيبك بأننا كنا اكتشفنا أن بقية المرشحين تركونا في العراء ولم يتقدموا بأوراق الترشح أصلا !!!
بعدها بأعوام طويلة قال المجرم زكي بدر وزير الداخلة البلطجي
(الناصريين شوية عيال)

كانت الانتخابات -وقد خسرتها بالمناسبة- فرصة جيدة للاحتكاك أكثر فأكثر بالجماعة الإسلامية وأعضائها الأكثر حيوية.
ومن عجب أننا طوال هذه الفترة الحافلة بالعمل لم نسمع لقيادات الجماعة الدينية من شباب الإخوان صوتا.
وتحمل عبء الانتخابات على مستوى الكلية ثم الجامعة الإخوة طارق علي وأسامة حافظ وصلاح هاشم وحمدي عبد الرحمن وعادل أسعد الخياط وهذا الأخير فاز برئاسة اتحاد طلاب هندسة ثم برئاسة اتحاد جامعة أسيوط وهو منصب كان وقتها عظيما فكانت مدته عامين كاملين يتحكم فيها الطلاب الفائزون ورئيسهم في مختلف أوجه النشاط ويتصرفون في ميزانية ضخمة ويوضع تحت إمرتهم طاقم كامل من موظفي الجامعة دون تدخل من مخلوق في عملهم.
وقد ألغى السادات كل ذلك فيما بعد كما سيأتي.

في يوم إعلان فوز الأخ عادل أسعد برئاسة اتحاد الجامعة وبينما أنا في مدرج من مدرجات الكلية بالدور الثالث سمعنا ضجة من الطابق الأرضي بعدها دخل زميلنا الطالب (عبد المسيح) فسألناه ماذا حدث فقال الجماعة الإسلامية ضربوا خصومهم في الانتخابات بالمطاوي.

نال ذلك استهجان الجميع وقتها لكن عندما انهيت يومي الدراسي -الذي نادرا ما أتمه أصلا- وعدت للمدينة الجامعية فوجئت بعادل أسعد رئيس الاتحاد في مدخل مبنى (د) والضمادات الطبية تلف كتفه وعنقه. وعلمت أن الجهة المنافسة للجماعة في الانتخابات اعتدوا عليه بالسلاح الأبيض في مدخل كليته كلية الهندسة.

من يومها لم أعد أصدق زميلنا عبد المسيح ولا أصدق أي عبد آخر للمسيح !!

(يتبع إن شاء الله)

عن habib

شاهد أيضاً

نزول عيسى عليه السلام

  نزول عيسى عليه السلام   من المعلوم أن التمايز بين الناس في ميزان الله …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *