حوار مع الدكتور حلمي محمد القاعود
شبكة وا إسلاماه للإعلام
مفهوم الأدب الإسلامي من كونه أدب أمة إسلامية لها تصوراتها ومنظورها للكون والحياة والناس
الجزء الأول
شبكة وا إسلاماه- حاوره :زكرياء بوغرارة
حوارنا هذا الأسبوع مع أديب رفيع وناقذ فذ وقامة أدبية عالية ظلت تنافح عن قيمها ومبادئها تحت راية الاسلا م طيلة عقود مديدة انه الاديب والروائي والناقذ حلمي محمد القاعود أشهر من نار على علم… كان لي شرف محاورته والغوص معه في أعماق مفاهيم الادب الإسلامي وقضاياه المعاصرة ولم يفتني وانا احاوره ان انكش في ادب السجون ما هو ؟؟ ولماذا هو ادب هش لدى الاسلاميين يتسم بالضعف من حيث قلة الكتابة فيه رغم انهم الأكثر تعرضا لوحشية الأنظمة الوظيفية والاستبدادية …؟؟ وقضايا اخرى ادبية
الدكتور حلمي محمدالقاعود استقبل أسئلتنا بصدررحب رغم انشغالاته الكثيرة و بتواضع جم هو سمة الادباء الكبار
فكان هذا الحوار الشيق الماتع ننشره في جزئين من خلال موقعنا ادب السجون وشبكة وا إسلاماه
بطاقة تعريف
الدكتور حلمي القاعود غني عن التعريف °° اسم يعرفه العاملون على الساحة الإسلامية، كما يعرفه خصوم الإسلام من المثقفين العرب أيضاً، هو حاضر في أذهان الجميع بما يكتبه من آراء جريئة، وأفكار قوية، ومقالات حادة لا تعرف المراوغة أو المداورة.
في المجال الأدبي، هو ناقد أصيل وكبير. منذ بداياته، وصفه الأديب الكبير “وديع فلسطين” في مجلة “الثقافة” التي كانت تصدر في السبعينيات من القرن الماضي بأنه أفضل النقاد الشبان، وفي عام 1968م فاز في مسابقة مجمع اللغة العربية، التي كان يتنافس عليها كبار الأدباء والكتَّاب، وكان عمره آنذاك لا يزيد عن الثانية والعشرين، وفي عام 1974م فاز في مسابقة “يوم الأرض” الخاص بالشعب الفلسطيني ببحث عن شعراء المقاومة الفلسطينية، وهي المسابقة التي كان يقيمها المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية (المجلس الأعلى للثقافة الآن).
في حياته الجامعية، يمثِّل صورة للأستاذ الجامعي الجاد، الصارم من غير قسوة، الحازم في غير شدة، وخاصة في مجال الدراسات العليا، حيث يأخذ طلابه بالعمل الدؤوب، والبحث المستمر، والاهتمام بالجزئيات مثل الاهتمام بالكليات، وهو كذلك أيضاً في مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه، حيث تكون مناقشاته ـ كما شهد زملاؤه وطلابه ـ درساً تطبيقياً وعملياً، يعلِّم الطالب كيف يصل ببحثه إلى التفرد°°
وقد عرف الدكتور حلمى القاعود طريقه إلى الصحافة الأدبية والفكرية مبكراً، فكتب فى مجلات: °°”الأديب”، و”الآداب”، و”الجديد”، و”الرسالة”، و”الثقافة”، ومجلة “الأزهر”، وكانت تجربته مع الصحافة الإسلامية تجربة ثرية جدا جديرة بالدراسة والتحليل، والمقالات التى نشرت بها شكلت صلب الكتب الثقافية التى نشرها على مدار تاريخه الثقافى الطويل، فكتب فى “الاعتصام”، و”لواء الإسلام” و”المختار الإسلامى”، و”الدعوة” وصحف “المصريون”، و”النور”، و”آفاق عربية”، و”الشعب” الأولى والثانية، كما كتب فى مجلات الخليج مثل “المجتمع”، و”المنهل”، و”الأمة”، و”الوعى الإسلامى”، و”منار الإسلام”..ويمتاز أسلوبة بالبساطة والعمق وسبر أغوار الموضوعات فى لغة بسيطة راقية يستفيد منها الباحث المتخصص والقارىء العادى..°°
بوصف دقيق جامع مانع اجاد رسمه بعمق الدكتور محمد عباس وهو يتحدث عن اديبنا الرفيع فقال
{إن عملا واحدا من أعماله وهي عشرات كثيرة بل مئات،عمل واحد منها كان كفيلا باستغراق عمر إنسان عادي، فكيف بهذه الأعمال جميعا؟
دراساته عن محمد عبد الحليم عبد الله على سبيل المثال، ومعايشة أعماله الأدبية ونقدها حيث النقد إبداع لا يقل عن العمل الإبداعي نفسه وقد يزيد. أو دراساته عن با كثير ورحيله إلى بلاده في أقصى بلاد العرب كي يعيش جوه وبيئته ولغته والمؤثرات في كتاباته، نعم أحب الدكتور حلمي القاعود الكاتب الكبير علي احمد باكثير (1969،1910) وكتب عنه الكثير أيضا كما سافر إلي بلده حضرموت ليعيش مع بعض من أهله بعض الوقت. وكان دافعه أن يضيء جوانب حياة الرجل الذي عتم كلاب الحكام والنخبة العفنة عليه انتقاما من كتاباته الإسلامية التي تسببت في نقمة الشيوعيين علي أدبه وفكره فحاصروه حتى لقي ربه .
. عمل واحد من أعمال الدكتور حلمي القاعود كدراساته عن نجيب الكيلاني كفيل باستغراق العمر كله، حيث يخيل إليك من فرط الانصهار أو الذوبان أنهما كتبا نفس العمل معا،أو أن القاعود هو الذي كتبه ووضع اسم الكيلاني عليه، سمة النقاد العظماء، الذين يتناولون العمل بحب وشغف وذوبان، فتختلط نبضات القلب بنبضات العمل، ومع ذلك لا يعوقه هذا عن انتقاده سلبا أو إيجابا كالأب الحنون يعامل ابنه الأعز فتكون حتى قسوته رحمة.
عمل واحد كمتابعته البديعة للأدب الإسلامي بداياته وتطوراته وأفكاره وتطبيقه، بطريقة ربما لا يكون مسبوقا فيها، ثم دراساته في النقد الأدبي الحديث، وفي تيسير علم المعاني، وكتابه البديع: محمد – صلي الله عليه وسلم – في الشعر العربي الحديث، ثم دع هذا كله وادلف معه إلى كتابه عن البلاغة القرآنية،مناقشا ومتعلما ومعلما يحلق في الآفاق كما لو كان يركب بساط الريح أو عربة الزمن فيجعلك تعيش معه كل العصور وعبر الدهور، ثم دع ذلك واقفز ألف عام أو يزيد إلى الأمام لتقرأ له القصائد الإسلامية الطوال في العصر الحديث : دراسة ونصوص.}
وأخيرا لايعسنا الا ان نستعد للتحليق معه في سماء الادب الرحبة من خلال هذا الحوار الماتع لما فيه من فائدة لاتخلو منها كتابات القاعود او حواراته
1
في البداية نحب أن نسألكم عن مفهوم الأدب الإسلامي بإيجاز؛ بحيث يتضح معناه، وتتكوَّن صورته في ذهن القارئ الكريم
وما الذي يعنيه الأدب الإسلامي بالنسبة إليك؟ وما الذي يدل عليه في رأيك؟
وهل لهذا الادب الإسلامي مستقبل؟؟؟؟
الأدب الإسلامي هو أدب أمتنا الإسلامية منذ بدء الدعوة حتى اليوم. إنه ليس شيئا جديدا أو مستحدثا، ولكنه استمرار لأدب أمة تغيرت معتقداتها وتصوراتها من الجاهلية إلى التوحيد ومن الفوضى الاجتماعية والفكرية إلى منظومة الأخلاق والقيم والثقافة التي تدعو إلى الوحدة والأخوة والإنسانية والعمل والأمل تحت راية الدين الحنيف. ويأتي مفهوم الأدب الإسلامي من كونه أدب أمة إسلامية لها تصوراتها ومنظورها للكون والحياة والناس، فكل أدب يصدر عن معتقدات الكاتب وثقافته وتصوراته لما حوله. الأدب الشيوعي مثلا يحتفي بقضايا الصراع بين الطبقات وما يسمى الحتمية التاريخية، ومخاطبة الغرائز المادية ورفض الدين والألوهية، والأمر نفسه في الآداب الوجودية والعلمانية والوثنية .. كل أدب يعبر عن تصور أصحابه وثقافتهم وفكر هم. والأدب الإسلامي بإيجاز يعبر عن التصور الإسلامي، وهو تصور مفتوح وممتد في الزمان والمكان والفكر والقضايا المختلفة. وقد ظهرت الدعوة إليه أخيرا في سياق استعادة الهوية التي تغبشت بحكم هيمنة الثقافات الأجنبية على كثير من أدبائنا المحدثين، ونبذهم للتصور الإيماني الإسلامي، فكانت تجديدا في حقيقة الأمر لأدبنا التاريخي.
ويمثل الأدب لإسلامي بالنسبة لي التعبير عن إنسانيتي وديني وقيمي وهويتي. ويشير ذلك إلى استقلالي وخصوصيتي وعلاقتي بالبشرية جمعاء من خلال الرغبة في إسعاد الإنسانية وهدايتها إلى طريق الرشد والأمل بأسلوب فني راق.
2
حسب اعتقادك هل يجسد الأدب الإسلامي جسرا ممتدا بين الأدب والإسلام؟ ثم ما جوهر العلاقة القائمة بينهما؟
و ما الذي تراه في شأن رسالة الأديب المسلم؟
في إجابة السؤال السابق بعض أو معظم إجابتي على هذ السؤال. والأدب الإسلامي لسان الإسلام في الجانب الفني الذي يناغي الوجدان البشري، وخاصة إذا كان الأديب الإسلامي موهوبا ويملك القدرة التعبيرية عن التصور الإسلامي الناضج. الإسلام دين عام شامل ، صالح لكل زمان ومكان، والأديب الحق هو الذي يستطيع التعبير عن ذلك من خلال القيم الفنية والعناصر الجمالية، وبذا يكون الأدب الإسلامي جسرا ممدودا في كل الاتجاهات مع مضمون الإسلام وتصوراته.
الأدب الإسلامي بالمفهوم الصحيح هو لسان الإسلام والمعبر عن حقائقه ومعطياته وهداياه بالنسبة للإنسانية، ورسالة الأديب المسلم لا تقل عن رسالة الداعية الذي يوضح طبيعة الإسلام وينشر قيمه ويدعو إليه ويصحح ما ألصق به من دعاوى، ويدفع عنه الأكاذيب والتشويه والتلوث في الإطار الفني الجمالي المبهر.
3
بنظرة شمولية نجد أنَّ هناك تبايناً في النتاج الإسلامي للأجناس الأدبية: فالشعر يتصدر المشهد دائماً، ثم تأتي القصة والرواية، ثم المسرح. فهل لذلك أسبابٌ ترونها؟ وهل تتحقق هنا أهمية “الكمّ”؟
سأخبرك بقصة طريفة كنت أحد أطرافها . ذات يوم كنت عضوا في لجنة تختار المعيدين لإلحاقهم بالكلية التي أعمل بها في بلد عربي. وفي المقابلة الشخصية كان هناك شاب يبدو عليه سمت التدين الهادئ ،سألته هل قرأت روايات أو مسرحيات؟ فسكت ولم يجب. فأعدت عليه السؤال، فلم يجب ولزم الصمت، فابتسمت وقلت له: هل القصة حرام؟ فقال: الشيخ سُئل فسكت. فضحكت، وقلت له : ألم تدرس في كليتك شيئا عن القصة والرواية والمسرحية.. وذكرت له بعض أسماء أساتذته فقال: بلى. قلت له: إذا القصة ليست كذبا ولا حراما، لكنها خيال مسموح به.
الشاهد في القصة أن هناك فهما مغلوطا لدى بعض الناس تجاه الفنون السردية، وهو ما يجعل الاتجاه إلى الشعر أكثر من السرد، ولكن المناقشات والحوارات التي جرت في العقود الأخيرة جعلت الأمر مختلفا، فقد اتجه كثيرون إلى كتابة القصة والرواية والمسرحية، وقد شجعت بعض الجهات هذه الفنون من منظور إسلامي ،مما أظهر بعض المواهب الجيدة.
ومناط الأمر في كل الأحوال ليس “الكم” ولكن “الكيف” . ونحن نتمنى أن يكون هناك كم كثير جيد في إطار كيف كثير جيد.
4
نلاحظ كثيراً أن عدة ألقاب تسبق بعض الأسماء، فهذا “القاص والكاتب والشاعر”، وذلك “الناقد والمسرحي والروائي”.. إلَخ. فهل أنتم مع “احتراف” الأديب لفنٍّ واحد؟ وما مدى تأثير عدم الاحترافية والتخصص على المشهد الإبداعي؟
الأدب موهبة والأديب كاتب موهوب، ويمكن أن تكون موهبته ممتدة ومتسعة وتستوعب فنا أدبيا أو أكثر وهناك أدباء جمعوا بين الشعر والقصة القصيرة والرواية والسيرة الذاتية والمسرحية والمقالة والبحث النقدي والدراسة الأدبية إلى جانب الكتابة في تخصصهم العلمي مثل الطب والرياضيات والهندسة والكيمياء والفيزياء. وأبرز الأمثلة على ذلك نجيب الكيلاني وعبد السلام العجيلي ويوسف إدريس ومن قبلهم أحمد زكي أبو شادي فقد كتبوا في معظم الفنون الأدبية إلى جانب تخصصهم في مهنة الطب..
احتراف الأدب في البلاد العربية ليس مجديا. الاحتراف يفرض على صاحبه في بلادنا التفرغ، كي يأكل ويعيش، وهوما لا يتناسب مع واقعنا الذي تشيع فيه الأمية، وضعف القراءة، وسوء التعامل مع الناشرين. الأديب في بلادنا العربية إن لم تكن له وظيفة أو مصدر آخر للرزق يموت جوعا إذا احترف الأدب، أو يضطر للتنازل عن قيمه وأخلاقه ليلتحق بجهة رسمية توفر له دخلا ما، مقابل أن تفرض عليه نمطا معينا من التصور أو الرؤية تختلف عن اقتناع بما يمليه الضمير والدين والأخلاق.
ولعلي فهمت بجانب المفهوم العام للاحتراف وهو التفرغ للكتابة الأدبية، فهما آخر لمصطلح الاحتراف في السؤال وهو التخصص في فن معين من الفنون الأدبية، ولا أرى مانعا أن يتخصص في فن يظهر موهبته، ويجعل صاحبه يبدو أكثر تجويدا وأفضل تعبيرا.
وبصفة عامة يبدو التخصص في فن واحد يجيده الكاتب ويحبه أفضل من تشتيت الموهبة في مجموعة فنون لا يبدو فيها التميز والتفوق.
5
كناقد له باع طويل في النقد ومتابعة كافة أنماط الفن الروائي أود أن أسألكم عن أدب السجون إلى أي مدى يمكن أن نصنفه ضمن الأدب الإنساني في فن الرواية والشعر؟؟؟
أدب السجون أدب إنساني بامتياز. لأنه يكشف وحشية السجان ومن يأمر بالسجن، والحديث هنا بالدرجة الأولى عن السجون التي تقوم على التعذيب واستباحة الضحية في الأنظمة الديكتاتورية التي تسعى إلى الانتقام من المعارضين السياسيين. هناك سجناء جنائيين (ليسوا سياسيين) يتعرضون أيضا للتعذيب حتى الموت، ولكن هؤلاء قلة بالنسبة للسياسيين الذين لم يرتكبوا غير جريمة المطالبة بالحرية والعدل والكرامة والمساواة. وفي الأدب العربي الحديث صور ونماذج للتعذيب في السجون تقشعر لها الأبدان، وكشف وحشية الجلادين عمل ضروري لتكتمل إنسانية الإنسان برفضه لهذه الوحشية واستنكاره لها.
6
كتب الكثير من الادباء الذين يحملون الهم الإسلامي والفكرة الإسلامية الروايات والشعر المصنف ضمن ادب السجون بل لعل الدكتور نجيب الكيلاني كان أطول نفسا في هذا ومن المعاصرين ايمن العتوم
ما رؤيتكم النقدية فيما يحمله هذا الادب وهل يمكن ان نصنفه بالأدب الإسلامي….؟؟؟
كل أدب يعبر عن الإنسان ومعاناته في السجون أو غيرها، يعدّ أدبا إسلاميا حين يعبر عنه أديب إسلامي موهوب. في روايته رحلة إلى الله مثلا يصور نجيب الكيلاني ما تعرض له المعتقلون في سجن القلعة أو السجن الحربي من تعذيب وحشي يفوق الخيال تصويرا حيا ومؤثرا، وفي روايات أخرى تعرض لوصف ما يلاقيه السجناء الإسلاميون والمجاهدون ضد السلطات الاستعمارية الغازية تصويرا يجرّم كل من شارك في التعذيب ولو بالموافقة والرضا. وقد نجح في تصوير التعذيب لأنه عاني في السجن الحربي وسجون أخرى.
وفي رواية القوقعة الشهيرة صورة لوحشية الكائنات التي مارست التعذيب ضد السجناء السوريين ،والمفارقة أن راوي الأحداث كان غير مسلم تعرض للتعذيب بوصفه مسلما!